فصل: الخبر عن حركة صاحب المغرب إلى تلمسان وأولية ذلك:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن طاعة الجزائر واستنزال ابن علان منها وذكر أوليته:

كانت مدينة الجزائر هذه من أعمال صنهاجة ومختطها بلكين بن زيري ونزلها بنوه من بعده ثم صارت للموحدين وانتظمها بنو عبد المؤمن في أمصار المغربين وأفريقية ولما استبد بنو أبي حفص بأمر الموحدين وبلغت دولتهم بلاد زناتة وكانت تلمسان ثغرا لهم واستعملوا عليها يغمراسن وبنيه من بعده وعلى ضواحي مغراوة بني منديل بن عبد الرحمن وعلى وانشريس وما إليها من عمل توجين محمد بن عبد القوى وبنيه وبقي ما وراء هذه الأعمال إلى الحضرة لولاية الموحدين أهل دولته فكان العامل على الجزائر من الموحدين أهل الحضرة.
وفي سنة أربع وستين وستمائة انتقضوا على المستنصر ومكثوا في ذلك الانتقاض سبعا ثم أوعز إلى أبي هلال صاحب بجاية بالنهوض إليها في سنة إحدى وسبعين وستمائة فحاصرها أشهرا وأفرج عنها ثم عاودها بالحصار سنة أربع وسبعين وستمائة أبو الحسن ابن ياسين بعساكر الموحدين فاقتحمها عليهم عنوة واستباحها وتقبض على مشيختها فلم يزالوا معتقلين إلى أن هلك المستنصر ولما انقسم أمر بني أبي حفص واستقل الأمير أو زكريا الأوسط بالثغور الغربية وأبوه بعثوا إليه بالبيعة وولى عليهم ابن أكمازير وكانت ولايتها من قبل فلم يزل هو واليا عليها إلى أن أسن وهرم كان ابن علان من مشيخة الجزائر مختصا به ومنتصبا في أوامره ونواهيه ومصدرا لإمارته وحصل له بذلك الرياسة على أهل الجزائر سائر أيامه فلما هلك ابن أكمازير حدثته نفسه بالاستبداد والانتزاء بمدينته فبعث عن أهل الشوكة من نظائره ليله هلاك أميره وضرب أعناقهم وأصبح مناديا بالاستبداد واتخذ الآلة واستركب واستلحق من الغرباء والثعالبه عرب متيجة واستكثر من الرجال والرماة ونازلته عساكر بجاية مرارا فامتنع عليهم وغلب مليكش على جباية الكثير من بلاد متيجة ونازله أبو يحيى بن يعقوب بعساكر بني مرين عند استيلائهم على البلاد الشرقية وتوغلهم في القاصية فأخذ بمخنقها وضيق عليها ومر بابن علان القاضي أبو العباس الغماري رسول الأمير خالد إلى يوسف بن يعقوب فأودعه الطاعة للسلطان والضراعة إليه في الإبقاء فأبلغ ذلك عنه وشفع له فأوعز إلى أبيه يحيى بمسالمته ثم نازله الأمير خالد بعد ذلك فامتنع عليه وأقام على ذلك أربع عشرة سنة وعيون الخطوب تحدده والأيام تستجمع لحربه فلما غلب السلطان أبو حمو على بلاد توجين واستعمل يوسف بن حبون الهواري على وانشريس ومولاه مسامحا على بلاد مغراوة ورجع إلى تلمسان ثم نهض سنة اثنتي عشرة وسبعمائة إلى بلاد شلف فنزل بها وقدم مولاه مسامحا في العساكر فدوخ متيجة من سائر نواحيها وترس بالجزائر وضيق حصارها حتى مسهم الجهد وسأل ابن علان النزول على أن يشترط لنفسه فتقبل السلطان اشتراطه وملك السلطان أبو حمو الجزائر وانتظمها في أعماله وارتحل ابن علان في جملة مسامح ولحقوا بالسلطان بمكانه من شلف فانكفأ إلى تلمسان وابن علان في ركابه فأسكنه هنالك ووفي له بشرطه إلى أن هلك والبقاء لله سبحانه.

.الخبر عن حركة صاحب المغرب إلى تلمسان وأولية ذلك:

لما خرج عبد الحق بن عثمان من أعياص الملك على السلطان أبي الربيع بفاس وبايع له الحسن بن علي بن أبي الطلاق صاحب بني مرين بمداخلة الوزير رحوا بن يعقوب كما قدمناه في أخبارهم وملكوا تازى زحف إليهم السلطان أبو الربيع فبعثوا وفدهم إلى السلطان أبي حمو صريخا ثم أعجلهم أبو الربيع وأجهضهم على تازى فلحقوا بالسلطان أبي حمو ودعوه إلى المظاهرة على المغرب ليكونوا رداء له دون قومهم وهلك السلطان أبو الربيع خلال ذلك واستقل بملك المغرب أبو سعيد عثمان بن يعقوب بن عبد الحق فطالب السلطان أبا حمو باسلام أولئك النازعين إليه فأبى من إسلامهم وإخفار زمته فيهم وأجازهم البحر إلى العدوة فأغضى له السلطان أبو سعيد عنها وعقد له السلم ثم استراب يعيش بن يعقوب بن عبد الحق بمكانه عند أخيه السلطان أبي سعيد لما سعى فيه عنده فنزع عنه إلى تلمسان وأجاره السلطان أبو حمو على أخيه فأحفظه ذلك ونهض إلى تلمسان سنة أربع عشرة وسبعمائة وعقد لابنه الأمير أبي علي وبعثه في مقدمته وسار هو في الساقة ودخل أعمال تلمسان على هذه التعبية فاكتسح بسائطها ونازل وجده فقاتلها وضيق عليها.
ثم تخطاها إلى تلمسان فنزل بساحتها وانحجر موسى بن عثمان من وراء أسوارها وغلب على ضواحيها ورعاياها وسار السلطان أبو سعيد في عساكره يتقرى شعارها ويلادها بالحطم والانتساف والعيث فلما أحيط به وثقلت وطأة السلطان عليه وحذر المغبة منه ألطف الحيلة في خطاب الوزراء الذين كان يسرب أمواله فيهم ويخادعهم من نصائح سلطانهم حتى اقتضى مراجعهتم في جاره يعيش بن يعقوب وإدالته من أخته ثم بعث خطوطهم بذلك إلى السلطان أبي سعيد فامتلاء قلبه منها خشية ورهبة واستراب بالخاصة والأولياء ونهض إلى المغرب على تعبيته ثم كان خروج ابنه عمر عليه بعد مرجعه وشغلوا عن تلمسان وأهلها برهة من الدهر حتى جاء أمر الله في ذلك عند وقته والله تعالى أعلم.

.الخبر عن مبدأ حصار بجاية وشرح الداعية إليه:

لما رجع السلطان أبو سعيد إلى المغرب وشغل عن تلمسان فزع أبو حمو لأهل القاصية من عمله وكان راشد بن محمد بن ثابت بن منديل قد جاء من بلاد زواوة أثناء هذه الغمرة فاحتل بوطن شلف واجتمع إليه أوشاب قومه وحين تجلت الغمرة عن السلطان أبي حمو نهض إليه بعد أن استعمل ابنه أبا تاشفين على تلمسان وجمع له الجموع ففر أمامه ناجيا إلى مثوى اغترابه ببجاية وأقام بنو سعيد بمعاقلهم من جبال شلف على دعوته فاحتل السلطان أبو حمو بوادي تمل فخيم به وجمع أهل أعماله لحصار بني أبي سعيد شيعة راشد بن محمد واتخذ هنالك قصره المعروف باسمه وسرح العساكر لتدويخ القاصية ولحق به هنالك الحاجب ابن أبي حين مرجعه من الحج سنة إحدى عشرة وسبعمائة فأغراه بملك بجاية ورغبه فيه وكان قد ثاب له طمع منذ رسالة السلطان مولانا أبي يحيى إليه.
وذلك أنه لما انتقض على أخيه خالد ودعا لنفسه بقسنطينة ونهض إلى بجاية فانهزم عنها كما قدمنا في أخباره وأوفد على السلطان أبي حمو بعض رجال دولته مغريا له بابن خلوف وبجاية ثم بعث إليه ابن خلوف أيضا يسأله المظاهرة والمدد فأطمعه ذلك في ملك بجاية.
ولما هلك ابن خلوف كما قدمناه لحق به كاتبه عبد الله بن هلال فأغراه واستحثه وشغله عن ذلك شأن الجزائر فلما استولى على الجزائر بعث مولاه مسامحا في عسكر مع ابن أبي حي فبلغوا إلى جبل الزاب وهلك ابن أبي حي ورجع مسامح ثم شغله عن شأنها زحف وفرغ من أمر عدوه ونزل بلد شلف كما ذكرناه آنفا ولحق به عثمان بن سباع بن يحيى بن سباع بن سهل أمير الزواودة يستحثه لملك الثغور الغربية من عمل الموحدين فاهتز لذلك وجمع له الجموع وعقد لمسعود ابن عمه أبي عامر برهوم على عسكر وأمره بحصار بجاية وعقد لمحمد ابن عمه يوسف قائد مليانة على عسكر ولمولاه مسامح على عسكر آخر وسرحهم إلى بجاية وما وراءها لتدويخ البلاد وعقد لموسى بن علي الكردي على عسكر ضخم وسرحه مع العرب من الزواودة وزغبة على طريق الصحراء فانطلقوا إلى وجههم ذلك وفعلوا الأفاعيل كل فيما يليه وتوغلوا في البلاد الشرقية حتى انتهوا إلى بلاد بونة ثم انقلبوا من هنالك ومروا في طريقهم بقسنطينة ونازلوها أياما وصعدوا جبل ابن ثابت المطل عليها فاستباحوه ثم مروا ببني باورار فاستباحوها وأضرموها واكتسحوا سائر ما مروا عليه وحدثت بينهم المناكرة حسدا ومنافسة فافترقوا ولحقوا بالسلطان ولحق مسعود بن برهوم محاصرا لبجاية وبنى حصنا بأصفون لمقامه وكان يسرح الجيوش لقتالها فتجول في ساحتها ثم تراجع إلى الحصن ولم يزل كذلك حتى بلغه خبر خروج محمد بن يوسف فأجفل عنها على ما نذكره الآن فلم يرجعوا لحصارها إلا بعد مدة والله تعالى أعلم.